موقع "لكم" ينشر النص الكامل لخطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 17 لتوليه الملك
وجه الملك محمد السادس خطابا إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى 17 لتوليه الملك، وقد بث الخطاب مباشرة عبر التلفزات والإذاعات الرسمية. وفيما يأتي أهم فقرات هذا الخطاب:
مقدمة
“تتوالى السنوا ت، بعون الله وتوفيقه، منذ أن تحملنا أمانة قيادتك. وهي أمانة جليلة بشرف خدمتك، وجسيمة بما تنطوي عليه من مسؤوليات أمام الله، وأمام التاريخ، وعظيمة بما تحمله من التزامات تجاه جميع المغاربة.
ونحتفل اليوم بالذكرى السابعة عشرة، لعيد العرش المجيد، ونحن أكثر اعتزازا بما يجمعنا من روابط البيعة الوثقى، والتلاحم المتين، وأقوى عزما على مواصلة العمل من أجل تحقيق تطلعاتك المشروعة .
فما أريده لكل المغاربة أينما كانوا في القرى والمدن، وفي المناطق المعزولة والبعيدة، هو تمكينهم من العيش الكريم في الحاضر، وراحة البال والاطمئنان على المستقبل، والأمن والاستقرار على الدوام، في تلازم بين التمتع بالحقوق، وأداء الواجبات “.
مناسبة فاصلة
لقد تمكنا خلال السبعة عشرة سنة الماضية من إنجاز إصلاحات سياسية عميقة وأوراش اقتصادية كبرى ومشاريع للتنمية البشرية غيرت وجه المغرب.
غير أن هناك الكثير مما يجب القيام به خاصة ونحن على أبواب مرحلة جديدة ستنطلق مع الانتخابات التشريعية المقبلة.
وبصفتي الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنني لا أشارك في أي انتخاب، ولا أنتمي لأي حزب . فأنا ملك لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك الذين لا يصوتون.
كما أنني ملك لكل الهيآت السياسية دون تمييز أو استثناء. وكما قلت في خطاب سابق، فالحزب الوحيد الذي أعتز بالانتماء إليه هو المغرب.
ومن تم، فشخص الملك، يحظى بمكانة خاصة في نظامنا السياسي. وعلى جميع الفاعلين مرشحين وأحزابا تفادي استخدامه في أي صراعات انتخابية أو حزبية.
إننا أمام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها : من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين.
فالمواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين. وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم. وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم.
لذا أوجه النداء لكل النا خبين، بضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها.
كما أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شرو ط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن.
فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة، للقضايا والمشاكل الحقيقية للمواطنين.
ومن جانبها فإن الإدارة التي تشرف على الانتخابات تحت سلطة رئيس الحكومة، ومسؤولية وزير الداخلية ووزير العدل والحريات، مدعوة للقيام بواجبها، في ضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي.
وفي حالة وقوع بعض التجاوزات، كما هو الحال في أي انتخابات، فإن معالجتها يجب أن تتم طبقا للقانون، من طرف المؤسسات القضائية المختصة.
غير أن ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين.
ولا يفوتني هنا أيضا، أن أنبه لبعض التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها.
فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب.
وهنا أقو ل للجميع، أغلبية ومعارضة : كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة”.
لا أحد معصوم من الفساد
“إن تمثيل المواطنين في مختلف المؤسسات والهيآت، أمانة جسيمة. فهي تتطلب الصدق والمسؤولية، والحرص على خدمة المواطن، وجعلها فوق أي اعتبار.
وكما أكدنا ذلك عدة مرات، فإن القيام بالمسؤولية، يتطلب من الجميع الالتزام بالمفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه منذ أن تولينا العرش.
ومفهومنا للسلطة هو مذهب في الحكم، لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها.
والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القانون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين.
كما أن مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.
والفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع.
والواقع أنه لايوجد أي أحد معصوم منه، سوى الأنبياء والرسل والملائكة.
وهنا يجب التأكيد أن محاربة الفساد لا ينبغي أن تكون موضوع مزايدات.
ولا أحد يستطيع ذلك بمفرده، سواء كان شخصا، أو حزبا، أو منظمة جمعوية. بل أكثر من ذلك، ليس من حق أي أحد تغيير الفساد أو المنكر بيده، خارج إطار القانون.
فمحاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع : الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أ يدي المفسدين.
والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة”.
التقدم السياسي والنهضة التنموية
“إننا نؤمن بأن التقدم السياسي، مهما بلغ من تطور، فإنه سيظل ناقص الجدوى، ما لم تتم مواكبته بالنهوض بالتنمية.
وتقوم التنمية في منظورنا، على التكامل والتوازن، بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
كما أن رفع التحديات التنموية المتعددة والمتداخلة، يتطلب من جميع المغاربة، فرديا وجماعيا، الانخراط في المعركة الاقتصادية الحاسمة، التي يعيشها العالم.
فالتقدم الذي نطمح إليه ببلادنا، لا يقتصر فقط على مجرد مؤشرا ت، غالبا ما تتجاهل مسار كل بلد وخصوصياته؛ وإنما نريده أن يشكل تحولا اقتصاديا واجتماعيا حقيقيا، تشمل ثماره جميع المواطنين.
وإذا كان من حقنا أن نعتز بما حققناه من مكاسب تنموية، فإن على جميع الفاعلين، في القطاعين العام والخاص، مضاعفة الجهود، من أجل الارتقاء بالمغرب إلى مرتبة جديدة من التقدم، بين الدول الصاعدة، والتي سبق لنا أن حددنا مقوماتها.
وهو مايقتضي العمل الجاد للرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني، والتقييم الموضوعي للسياسات العمومية، والتحيين المستمر للاستراتيجيات القطاعية والاجتماعية.
ورغم الإكراهات المرتبطة أحيانا بالسياق الدولي، وأحيانا أخرى بالاقتصاد الوطني، فإن المغرب، والحمد لله، في تقدم مستمر، دون نفط ولا غاز، وإنما بسواعد وعمل أبنائه.
وخير دليل على ذلك، تزايد عدد الشركات الدولية، كـ “بوجو” مثلا، والشركات الصينية التي ستقوم بإنجاز المشروع الاستراتيجي للمنطقة الصناعية بطنجة، على مساحة تتراوح بين 1000 و2000 هكتار، وكذا الشركات الروسية وغيرها، التي قررت الاستثمار في المغرب، وتصرف الملايين على مشاريعها.
هذه الشركات لا يمكن أن تخاطر بأموالها دون أن تتأكد أنها تضعها في المكان الصحيح. بل إنها تعرف وتقدر الأمن والاستقرار، الذي ينعم به المغرب، والآفاق المفتوحة أمام استثماراتها .
كما أن العديد من الشركات ا لعالمية، عبرت عن اهتمامها بالاستثمار في مشروع ” نور – ورزازات “، الذي يعد أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم .
كما يتزايد عدد الأ جانب، الذين يختارون المغرب للإقامة والاستقرار، و خاصة من فرنسا و إسبانيا. ومنهم من يقوم بإحداث شركات خاصة .
فهؤلاء الأجانب يعيشون في أمن واطمئنان، في ظل حماية أمير المؤمنين، وتحت مسؤولية الدولة المغربية، إضا فة إلى أن المغاربة يعاملونهم بكل ترحيب و تقدير.
وبنفس الإرادة و العزم، نعمل على ضمان أمن المغاربة وسلامتهم، و على صيانة استقرار ا لبلاد، والحفاظ على النظام العام”
أمن ا لمغرب واجب و طني
إن صيانة الأمن مسؤولية كبيرة، لا حد لها، لا في الزمان، و لا في المكان. وهي أمانة عظمى في أعناقنا جميعا.
وأود هنا، أن أعبر لمختلف المصالح الأمنية، عن تقديرنا للجهود الدؤوبة، و التضحيات الجسيمة، التي يقدمونها في القيام بواجبهم الوطني.
كما أشيد بالفعالية، التي تميز عملها، في استبا ق و إفشال المحاولا ت الإ رهابية، التي تحاول يائسة ترويع المواطنين، والمس بالأمن والنظام العام.
وإننا نقدر الظروف الصعبة، التي يعمل فيها نساء و رجال الأمن، بسبب قلة الإ مكانات. فهم يعملون ليلا و نهارا، و يعيشون ضغوطا كبيرة، و يعرضون أنفسهم للخطر، أثناء القيام بمهامهم .
لذا، ندعوا لحكومة لتمكين الإ دارة الأمنية، من الموا رد البشرية و المادية اللازمة لأداء مهامها، على الوجه المطلوب.
كما يتعين مواصلة تخليق ا لإدارة الأمنية، وتطهيرها من كل ما من شأنه أن يسيء لسمعتها، و للجهود الكبيرة، التي يبذلها أفرا دها، في خدمة المواطنين.
إن مصداقية العمليات الأمنية، تقتضي الحزم و الصرا مة في ا لتعامل مع المجرمين، ومع دعا ة التطرف و الإ رهاب، و ذلك في إطار الالتزام بالقانون، واحترام الحقوق والحريات، تحت مراقبة القضاء .
وأمام تزايد التحديات الأمنية، والمؤامرات التي تحاك ضد بلادنا، أدعو لمواصلة التعبئة واليقظة.
كما أؤ كد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، بكل مكوناتها، و مع المواطنين. فالكل مسؤول عندما يتعلق الأمر بقضايا الوطن.
فأمن المغرب واجب وطني، لايقبل الاستثناء، و لاينبغي أن يكون موضع صراعات فارغة، أوتهاون أو تساهل في أداء الواجب. وإنما يقتضي التنافس الإيجابي، في صيانة وحدة الوطن، وأمنه وا ستقراره .
فليس من العيب أن تكون الدولة قوية برجالها و أمنها، وأن يكون المغاربة جنودا مجند ين للدفاع عن قضايا وطنهم .
أما على المستوى الخارجي، فإن التنسيق و التعاون، ا لذي تعتمده المصالح الأمنية ببلا دنا، مع نظيراتها في عدد من الدول الشقيقة و الصديقة، قد ساهم في إفشال العديد من العمليات الإرهابية، وتجنيب هذه الدول مآسي إنسانية كبيرة.
شعبي العزيز،
إن انشغالنا بقضايا المواطنين داخل المغرب، لايعادله إلا العناية التي نوليها، لشؤون أفرا د الجالية المقيمة بالخارج .
فنحن نقدر مساهمتهم في تنمية بلدهم، وفي الدفاع عن مصالحه العليا.
كما نعتز بارتباطهم بوطنهم، و بتزايد عدد الذين يحرصون، كل سنة، على صلة الرحم بأهلهم، رغم ما يتحملونه من تعب و مشاق السفر، و مايواجهونه من صعوبات.
وإذا كنا نعيد و نؤكد، كل مرة، و في كل مناسبة، شكرنا لهم، و على ضرورة ا لاهتمام بقضاياهم، سواء داخل الوطن، أو في بلدان الإقامة، فنحن لانبالغ في ذلك، لأنهم في الواقع، يستحقون ذلك وأكثر.
وقد سبق أ ن شددنا على ضرورة تحسين الخدمات، المقدمة لهم. ووقفنا على بعض النماذج، التي تم اعتمادها لهذا الغرض .
ورغم الإصلاحات والتدابير، التي تم اتخاذها، إلا أنها تبقى غير كافية. و هو مايقتضي جدية أكبر، والتزاما أقوى من طرف القناصلة والموظفين، في خدمة شؤون الجالية”.
سنة الحزم
إن السياسة الخارجية لبلادنا، تعتمد دبلوماسية القول والفعل، سواء تعلق الأمر بالدفاع عن مغربية الصحراء، أوفي مايخص تنويع الشراكات، أو الانخراط في القضايا والإشكالات الدولية الراهنة .
فإذا كان البعض قد حاول أن يجعل من 2016 “سنة الحسم”، فإن المغرب قد نجح في جعلها “سنة الحزم “، في صيانة و حدتنا ا لترابية . فمن منطلق إيماننا بعدالة قضيتنا، تصدينا بكل حزم، للتصريحات المغلوطة، والتصرفات اللامسؤولة، التي شابت تدبير ملف الصحراء المغربية، واتخذنا الإجراءات الضرورية، التي تقتضيها الظرفية، لوضع حد لهذه الانزلاقات الخطيرة .
وسنواصل الدفاع عن حقوقنا، و سنتخذ التدابير اللا زمة لموا جهة أي انزلا قات لاحقة . ولن نرضخ لأي ضغط، أو محاولة ابتزاز، في قضية مقدسة لدى جميع المغاربة .
غير أن المغرب سيبقى منفتحا، و دائم الاستعداد للحوار البناء، من أجل إيجاد حل سياسي نهائي، لهذا النزاع المفتعل.
وأود هنا، أن أجدد الدعوة للجميع، لمواصلة اليقظة والتعبئة، للتصدي لمناورات خصوم المغرب، الذين صاروا مسعورين، وفقدوا صوابهم، أمام مظاهر التنمية والتقدم، التي تعيشها الصحراء المغربية.
فكل المؤا مرات المغلفة و المفضوحة، لن تنال من عزمنا، على مواصلة تفعيل النموذج التنموي، بأقاليمنا الجنوبية.
فالمشاريع التنموية التي أطلقناها بالمنطقة، وماتتيحه الجهوية المتقدمة، من إشراك فعلي للسكان في تدبير شؤونهم، سيجعل من جهة الصحراء قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها التاريخي كصلة وصل، ومحور للمبادلات بين المغرب وعمقه الإفريقي، وكذا مع دول الشمال.”
دبلوماسية القول والفعل
“إن دبلوماسية القول والفعل، التي ينهجها المغرب، لم تكن لتعطي وحدها النتائج المنشودة، لولا المصداقية، التي يحظى بها، في علاقاته الدولية.
وهو ما أهله للتوجه نحو تنويع شركائه. إن الأمر لايتعلق بتحرك ظرفي، أو برد فعل طارئ، من أجل حسابات أو مصالح عابرة. وإنما هو خيارا ستراتيجي، يستجيب لتطور المغرب، ويأخذ بعين الاعتبار التحولات التي يعرفها العالم.
كما يعكس مكانة بلادنا كشريك محترم و مطلوب، بفضل نموذجه السياسي والتنموي، ولدوره كفاعل رئيسي في ترسيخ الأ من والا ستقرا ر بالمنطقة، وفي الدفاع عن القضايا التي تهم إفريقيا.
وكما قلت سابقا، فالمغرب ليس محمية تابعة لأي بلد. غير أن انفتاحه لايعني تغيير توجهاته، ولن يكون أبدا على حساب شركائه. فالمغرب يبقى وفيا بتعهداته، وملتزما مع حلفائه التاريخيين.
وفي هذا الإطار، تندرج القمة التي جمعتنا بأشقائنا قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في أبريل الماضي، والتي رسخت الشراكة المغربية الخليجية، كتكتل استراتيجي موحد، ووضعت الأسس الصلبة لنموذج فريد من التحالف العربي.
كما أن المغرب لايدخر أي جهد، في سبيل تدعيم الشراكة الاستراتيجية التضامنية جنوب – جنوب، و خاصة مع أشقائنا الأفارقة، سواء على الصعيد الثنائي، أوفي إطار المجموعات الإقليمية، لدول غرب إفريقيا.
وتعزيزا لهذه السياسة الإفريقية الصادقة، أعلنا خلال القمة الإفريقية السابعة والعشرين، عن قرار المغرب بالعودة إلى أسرته المؤسسية الإفريقية.
وبطبيعة الحال، فإن هذا القرار لايعني أبدا، تخلي المغرب عن حقوقه المشروعة، أو الاعتراف بكيان وهمي، يفتقد لأبسط مقومات السيادة، تم إقحامه في منظمة الوحدة الإفريقية، في خرق سافر لميثاقها.
و يعكس رجوع بلادنا إلى مكانها الطبيعي، حرصنا على مواصلة الدفاع عن مصالحنا، من داخل الاتحاد الإفريقي، وعلى تقوية مجالات التعاون مع شركائنا، سواء على الصعيد الثنائي أو الإقليمي.
كما سيتيح للمغر ب الانفتاح على فضاءات جديدة، خاصة في إفريقيا الشرقية والاستوائية، وتعزيز مكانته كعنصر أمن واستقرار، و فاعل في النهوض بالتنمية البشرية، والتضامن الإفريقي.
وأغتنم هذه المناسبة، لأتقدم بعبارات الشكر الجزيل، لكل الدول الشقيقة، على وقوفها إلى جانب المغرب، في الدفاع عن وحدته الترابية، و تجاوبها الإيجابي، مع قرار العودة إلى أسرته المؤسسية، خاصة قادة الدول الثمانية والعشرين، الذين وقعوا على الملتمس، وباقي الدول الصديقة التي ساهمت في هذه المبادرة .
كما نعبر عن تقديرنا و امتناننا، لجمهورية روا ندا، التي استضافت هذه القمة، و رئيسها فخامة السيد Paul Kagamé، لدعمهم لنا، وتعاونهم معنا.
وإلى جانب الانفتاح على فضاءات سياسية و اقتصادية كبرى، كروسيا والصين والهند، نسعى لتوطيد شراكاتنا الاستراتيجية، مع حلفائنا في فرنسا و إسبانيا. كما نعمل مع الاتحاد الأوروبي، على وضع أسس متينة، لتطوير الشراكة التقليدية التي تجمعنا.
و إن توجهنا نحو تنويع الشراكات، يقوم على الاحترام المتبادل، والالتزام بالعمل، على تقو ية التعاون، على أساس رابح – رابح. وهو ما تجسده الاتفاقيات الاستراتيجية، التي تم توقيعها، و التي تشمل مجالات حيوية، كالطاقة و البنيات التحتية وتطوير المبادلات الفلاحية، ومحاربة الإرهاب، والتعاون العسكري، وغيرها.”
المغر ب حريص على تنو يع شركائه
“إن حرص المغرب على تنويع شركائه، لايوازيه إلا انخراطه القوي، في مختلف القضايا والإشكالات الدولية الراهنة.
فالمغرب يعد شريكا فعالا في محاربة الإرهاب، سواء في مايتعلق بالتعاون الأمني، مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة، أو من خلال نموذجه المتميز في تدبير الشأن الديني.
و هو ما أهله ليتقاسم مع هولندا، الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإ رهاب.
كما أن بلاد نا تنخرط بقوة، في الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية، حيث ستحتضن في نونبر المقبل، المؤتمر الثاني و العشرين، للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة، حول التغيرات المناخية.
وهي مناسبة لإبراز التزام المغرب، بالعمل على تنفيذ اتفاق باريس، ومواصلة دعم الدول النامية، بإفريقيا والدول الجزرية الصغيرة، التي تعتبر المتضرر الأكبر من تداعيات التغير المناخي.
و بصفته بلدا فاعلا في مجال التعاون الثلاثي، فإن المغرب يجعل في صدارة سياسته، توجيه العمل الدولي للاهتمام بقضايا التنمية، و خاصة في إفريقيا”.
المغرب واحة أ من واستقر ار
“إن عملنا لا يهتم كثيرا بالحصيلة والمنجزات، وإنما بمدى أثرها في تحسين ظروف عيش المواطنين.
ذلك أننا نضع البعد الإنساني في طليعة الأسبقيات. فمايهمنا هو المواطن المغربي، والإنسان بصفة عامة، أينما كان.
وإننا نحمد الله تعالى، أن وفقنا لجعل المغرب على ماهو عليه اليوم : فضاء لأوراش البناء والتنمية، وواحة أمن واستقرار؛ رغم إكراهات سياق دولي، مطبوع بتوالي الأزمات، وتزايد التوترات.
ونود بهذه المناسبة المجيدة، أن نعرب عن تقديرنا وشكرنا، لكل القوى الحية، و لكل المغاربة الأحرار، الغيورين على وطنهم، على انخراطهم القوي، إلى جانبنا، في بناء مغرب الوحدة والحرية والتقدم، ووقوفهم الحازم في مواجهة المؤامرات الدنيئة، التي تحاك ضد بلادنا.
كما نوجه تحية تقدير، للقوات المسلحة الملكية، والدرك الملكي، و القوات المساعدة، والأمن الوطني، والوقاية المدنية، والإدارة الترابية، على تفانيهم وتجندهم الدائم، للدفاع عن وحدة الوطن وسيادته، والسهر على أمنه وا ستقراره.
ونسأل الله تعالى أن يوفقنا في أداء الأمانة، التي ورثناها عن أجدادنا، مستحضرين، بكل إكبار وخشوع، أرواحهم الطاهرة، و في مقدمتهم جدنا المقدس، جلالة الملك محمد الخامس، ووالدنا المنعم، جلالة الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواهما، وكافة شهداء الوطن الأبرار.
وسنواصل مسارنا الجماعي، بكل حزم وعزم، من أجل عزة المغرب، و خدمة أبنائه .
وستجدني، شعبي العزيز، كما عهدتني دوما، خديمك الأول، حاملا لانشغالاتك وقضاياك، متجاوبا مع تطلعاتك، في كل الظروف والأ حوال.
“قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصير ة أنا ومن اتبعني”. صدق الله العظيم .
والسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته”.